هى الصدفة التى أتت بالمدرس إلى بيت صديقتى وفقا لموعد حصة التاريخ والتى وافقت آخر أيام الشهر الكريم "وقفة العيد " والتى تصورنا جميعا أنها سببا قويا لإلغاء الحصة يومها بدون حاجة لإتفاق مسبق ولكن أتى المدرس بما لا تشتهى الطالبات فحضر وطلب من صديقتى الإتصال بنا جميعا لأحضارنا أيضا ..وأنتظر بضع دقائق ثم أستأذن لأداء الصلاة فى المسجد لحين وصولنا ليبدأ الحصة .
بالفعل كان التليفون وسيلة جيدة لإخبارنا فهرّولت كل منا ترتدى أقرب ما تصل اليه يدها وتخرج من عبثية الاستعداد للأعياد فى المنازل لنلحق بحصة التاريخ قبل أن يتسلل الضيق إلى صدر أستاذنا الملتزم الدقيق .:)
تجمعنا وأصبحنا ننتظر عودة الأستاذ لنأخذ الحصة ....
لا شك أننا كنا نشعر بالغيظ الشديد لأنه مازال لدينا الكثير من الاعمال التى تعد الأكثر أهمية فى تلك الليلة "ليلة العيد " .
ولكن مع الوقت بدأ الحديث يأخذنا والحكايات والضحك و.....ما بدل ذلك الغيظ ببهجة كبيرة .
خرج الأستاذ ولم يعد ..ولم يفتح هاتفه إلا بعد انقضاء موعد الحصة ليرد على صديقتى أنه لن يأتى وعليها أن تُبلغنا سلامه و"كل عام وأنتم بخير ":)
قدر ما اشتعل الغيظ بنا قدر ما شكرنا له أنه جمّعنا فى مثل هذا اليوم الجميل ..لم تكن المسافات بين البيوت بعيدة ولكن عادة لم نكن نعتاد الخروج يوم الوقفة .
تلك هى الصدفة التى جعلتنى أعتاد على الذهاب إلى أصدقائى فى كل ليلة عيد .وكان هذا أجمل ما علّمتنى إياه الصدفة ..
أصبحت أحرص على الإنتهاء من أعمال البيت مبكرا وتأخير بعض اللمسات الأخيرة لحين عودتى من "جولة الحب .."
نعم فهى بالنسبة لى كانت أحب شئ إلى نفسى لأننى كنت أحرص على رؤية أحب الناس إلى قلبى من صديقاتى واللاتى غالبا ما يصعب علينا التجمع فى أيام العيد لأن كل منا يصبح ملكا لعائلته وجدول زياراتها السنوى المعتاد .لذا كنت أشعر أن العيد دائما يبدأ عندى يوم الوقفة وكذلك كنت أفعل أيضا فى عيد الأضحى .فالسمر فى تلك الليالى أجمل مايكون ولقاء الأحبة فى شوق وصفاء لايُوصف أبدا بكلام
.
ومرت الأيام وعرفت قيمة تلك العادة بعد دخولنا إلى الجامعة إذ تفرقنا فى كليات شتى وعزّ لقائنا ولكن تلك الليلتان فى كل عيد كانت تجمعنا بالود والحب .وتمنحنا فرصة الحكى وتعوضنا عن كثير ....هى لم تكن عادتى وحدى فلقد أعتدن هن ّأيضا على أنتظارى كل ليلة عيد .
لا أدرى من أين كنت أستمد كل هذه الطاقة من النور التى كانت تملأ حياتى فرحة بكل ما أفعله كنت لا أبحث عن الخلود بقدر ما كنت أبحث عن غرث نبتة الذكرى الطيبة أو إشعال شمعة النور التى تضئ أبتسامات الأحبة ..
كنت أقول فى نفسى يوما ما ستقول كل منهن لأبنائها "رحم الله صديقتى فلانة كانت تأتينا فى كل ليلة عيد و....." ولو لم تقل فيكفى أننا عشنا لحظة ليست كأى .
أعترف أننى تخلّيت عن تلك العادة ..ولاأخفى أننى أحزن لذلك وكم أفتقد الكثير من مشاعر العيد التى كانت تملأ نفسى .. ولكن هاهى الأيام لاتبقينا على حال واحد .فلقد أصبح لكل صديقة بيت مستقل وتفرقت بنا الأماكن ..وإن بقى ما فى القلوب وزاد .
لى بضع سنوات لا أشعر بميلى القديم إلى قلب أحوال البيت وإجهاد عقلى فى التفكير لأصنع شيئا جديدا يبعث في البيت روح جديد .
أصبحت أكثر إعتمادا على أختى وما أقوم به هو مجرد المساعدة فقط قدر استطاعتى أو ربما أقل ...
زهدتها.. مثلما أزهد الخروج من البيت حتى فى أيام العيد ...
لم تكن المشكلة أننى أصبحت امرأة عاملة وأن مجهود العمل هو الذى .............:)
الحقيقة أننى" أفتقد الشهية للحياة" لا أعلم لما ضاع منى تذّوق ملحها وسكرها وحتى مرارها ...
أعتذر لكل من أحب وكل من أتمنى رؤيتهم ويتمنون هم أيضا ..لأننى ما عاد فى أن أرسم البسمات على وجوهكم ولربما إن أراكم يفيض دمعى من الألم والعذاب ..وإن كنت لا أقوى حين أرى فرحتكم إلا على حبس دمعى وآهاتى .".أنا ..ماعدت أنا ".
وما عاد عليا العيد يوما بفرحة كتلك التى كانت ..أحمد الله وأشكره الذى أذاقنى فرحة الأعياد مع الأحباب.
إن قلبى الموجوع لازال قادرا على الحب ..ولا زال يحمل لكل الناس أطيب المشاعر والأمنيات .
ولكننى ألفت وحدتى ومناجاتى لربى أن يرعى أحبابى ويعيد عليهم الأعياد بالخير واليمن والبركات ...